عمال النظافة- مهنة محترمة وأجور مجزية في مجتمعات تقدر العمل

المؤلف: محمد أحمد الحساني08.10.2025
عمال النظافة- مهنة محترمة وأجور مجزية في مجتمعات تقدر العمل

تداول مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي مؤخرًا صورة لفريق من عمال النظافة اليابانيين، مصحوبة بتعليق يشير إلى أن عامل النظافة في اليابان يحظى بتقدير كبير ويطلق عليه لقب "مهندس صحي"، ويتقاضى راتبًا شهريًا يتجاوز خمسة آلاف دولار أمريكي. ويزعم التعليق أيضًا أن الشباب والشابات اليابانيين الذين لم يتمكنوا من إكمال تعليمهم الجامعي يتنافسون بشدة على شغل وظيفة عامل نظافة، أو بالأحرى "مهندس صحي"، أكثر من تنافسهم على الوظائف الأدنى مثل الحراسة والاستقبال والسكرتارية وغيرها من الوظائف الإدارية المساعدة.

ذكرتني هذه الصورة وما قرأته في مواقع الإنترنت بموقف مشابه شهدته بنفسي أثناء تناول وجبة الإفطار في أحد المقاهي الشهيرة بشارع أوروبي معروف. رأيت فتيات يانعات، في مقتبل العمر، يرتدين ملابس مبهرجة زاهية الألوان، ويضعن قفازات واقية في أيديهن، يقمن بتنظيف الشارع من مخلفات أوراق الأشجار المتساقطة، وأعقاب السجائر الملقاة، والعلب الفارغة، والمناديل الورقية المستعملة وكل اثنتين تعملان بتناغم معًا: فإحداهما تقود عربة صغيرة مجهزة لشفط القمامة الصغيرة، بينما تقوم الأخرى بالتقاط القمامة الأكبر حجمًا، مثل العلب الفارغة، وتضعها بعناية في صندوق العربة. لقد أثار إعجابي مظهرهن الأنيق واهتمامهن بعملهن! دفعني الفضول إلى سؤال صديق عربي مقيم في تلك الدولة منذ أربعين عامًا عن تفسير امتهان هؤلاء الفتيات الحسناوات لمهنة عاملات النظافة. فأجابني بأن المجتمعات الأوروبية قد نجحت في الارتقاء بمكانة المهن المتواضعة. وأوضح أنه إذا كان خريجو معاهد السكرتارية أو الحراسة أو الاستقبال يحصلون على أجر محدد مقابل عملهم في هذه المهن، فإن المتخصصين في مهنة النظافة يحصلون على علاوة تزيد على 50% على الأجر الذي يحصل عليه العاملون في المهن المذكورة، بالإضافة إلى بدل مخصص للملابس الواقية والقفازات والمطهرات والمنظفات. ونتيجة لذلك، فإنه عند الإعلان عن فرص عمل في مجال النظافة، يتسابق الشباب والشابات للفوز بتلك الوظائف. أما بالنسبة للعاملين الذين يتجولون بسيارات النظافة لجمع الأكياس السوداء المملوءة بالنفايات مرتين يوميًا، صباحًا ومساءً، فإنهم يجدون هذه الأكياس مجمعة ومنظمة في أماكن مخصصة داخل تجويفات مهيأة في كل عمارة سكنية، فيقومون بالتقاطها بسرعة فائقة بواسطة رافعة مخصصة ومن ثم نقلها إلى داخل الشاحنة الكابسة. وأكد صديقي أن ما ذكره بشأن مهنة عمال النظافة من تقدير ورفع لشأنها ينطبق أيضًا على جميع المهن التي كانت تعتبر محتقرة اجتماعيًا في دول العالم الثالث، حتى لم تعد كذلك في دول العالم الأول، سواء كان العاملون بها من المواطنين الأصليين أو من المقيمين الدائمين من المهاجرين.

وبعد أن أنهى صديقي العربي الأوروبي حديثه المطول، انطلقت في عالم من التفكير العميق، وهتفت بيني وبين نفسي بالعبارة الشهيرة التي كان يرددها الكاتب الساخر أمين سالم رويحي "أبو حياة"، رحمه الله، الذي كان يقول لمن يتذمر من وضع اجتماعي أو إداري معين: "كلها أربعمئة سنة وتتعدل"؟!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة